فصل: (سورة سبأ: آية 14):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الإعراب:

{وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا} الواو استئنافية واللام جواب للقسم المحذوف وقد حرف تحقيق وآتينا داود فعل ماض وفاعل ومفعول به ومنا متعلقان بآتينا أو بمحذوف حال لأنه كان في الأصل صفة لفضلا وفضلا مفعول به ثان.
{يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ} جملة النداء معمول قول محذوف أي وقلنا، وأجاز الزمخشري أن تكون بدلا من فضلا ويا حرف نداء وجبال منادى نكرة مقصودة وأوّبي فعل أمر مبني على حذف النون والياء فاعل ومعه ظرف مكان متعلق بأوّبي والطير عطف على محل جبال وهو النصب وقرىء بالرفع عطفا على اللفظ وسيأتي حكم المنسوق على المنادى في باب الفوائد، وألنّا عطف على آتينا وألنّا فعل ماض وفاعل وله متعلقان بألنّا والحديد مفعول به.
{أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} أن مصدرية مؤولة بما بعدها بمصدر منصوب بنزع الخافض أي لأن أعمل واختار أبو البقاء أن تكون مفسرة وتبعه الجلال وهذا مردود لأن شرط أن المفسرة أن يتقدم عليها ما هو بمعنى القول دون حروفه وقدر بعضهم فعلا فيه معنى القول فقال: التقدير أمرناه أن اعمل، وسابغات صفة لمفعول به محذوف أي دروعا سابغات، والسابغات الكوامل الواسعات، وقدر فعل أمر وفي السرد متعلقان بقدر.
{وَاعْمَلُوا صالِحًا إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} واعملوا فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل وصالحا مفعول به أو صفة لمفعول مطلق محذوف أي عملوا عملا صالحا وإن واسمها وبما تعملون متعلقان ببصير وبصير خبر إن.
{وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ} الواو عاطفة ولسليمان متعلقان بالفعل المحذوف أي وسخرنا لسليمان الريح فالريح مفعول للفعل المحذوف وذلك على قراءة النصب وعلى قراءة الرفع هي مبتدأ مؤخر ولسليمان خبر مقدم وجملة غدوها شهر المؤلفة من المبتدأ والخبر حال من الريح وقيل هي مستأنفة وجملة ورواحها شهر عطف عليها.
{وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ} عطف على سخرنا المقدرة وأسلنا فعل ماض وفاعل وله متعلقان بأسلنا وعين القطر مفعول به.
{وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ} لك أن تعلق من الجن بفعل مقدر تقديره وسخرنا له فتكون من مفعولا به للفعل المقدر ولك أن تجعل الجار والمجرور خبرا مقدما فتكون مبتدأ مؤخرا وجملة يعمل صلة وبين يديه الظرف متعلق بيعمل وبإذن ربه متعلقان بمحذوف حال.
{وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ} الواو عاطفة ومن اسم شرط جازم مبتدأ ويزغ فعل الشرط ومنهم حال وعن أمرنا متعلقان بيزغ ونذقه فعل الشرط وفعل الشرط وجوابه خبر المبتدأ ومن عذاب السعير متعلقان بنذقه.
{يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاء مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ} الجملة بدل من يعمل لتفصيل ما ذكر من عملهم وله متعلقان بيعملون وما مفعول به وجملة يشاء صلة ومن محاريب في موضع الحال من مفعول يشاء المحذوف أي يشاؤه ومنعت محاريب من الصرف لأنها جمع على صيغة منتهى الجموع وتماثيل عطف على محاريب وجفان عطف أيضا وكالجواب صفة لجفان وحذفت ياء الجواب في خط القرآن وقدور راسيات عطف أيضا.
{اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ} كلام مستأنف مسوق للمنة على آل داود واعملوا فعل أمر وفاعل وآل داود منادى محذوف منه حرف النداء وشكرا مفعول لأجله أي لأجل الشكر وقيل مصدر من معنى اعملوا كأنه قيل اشكروا شكرا أو على الحال أي شاكرين وأجاز الزمخشري أن ينتصب باعملوا مفعولا به ومعناه إنا سخرنا لكم الجن يعملون لكم ما شئتم فاعملوا أنتم شكرا على طريق المشاكلة والواو حالية وقليل خبر مقدم والشكور مبتدأ مؤخر ومن عبادي صفة لقليل.

.الفوائد:

لتابع المنادى أقسام أربعة:
1- ما يجب نصبه مراعاة لمحل المنادى وهو ما اجتمع فيه أمران أحدهما أن يكون التابع نعتا أو بيانا أو توكيدا، والثاني أن يكون التابع مضافا مجردا من ال.
2- ما يجب رفعه مراعاة للفظ المنادى وهو تابع أي وتابع اسم الاشارة.
3- ما يجوز رفعه ونصبه وهو نوعان أحدهما النعت المضاف المقرون بأل، والثاني ما كان مفردا من نعت أو بيان أو توكيد أو كان معطوفا مقرونا بأل ومنه الآية التي نحن بصددها.
4- ما يعطي تابعا ما يستحقه إذا كان منادى مستقلا وهو البدل والمنسوق المجرد من أل فيضم إن كان مفردا وينصب إن كان مضافا.

.[سورة سبأ: آية 14]:

{فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ (14)}.

.اللغة:

{مِنْسَأَتَهُ} المنسأة مفعلة اسم آلة وهي العصا لأنه ينسأ بها أي يطرد ويؤخر كالمكنسة والمكسحة والمقعصة وقرأ نافع وأبو عمرو وجماعة {منساته } بألف.

.الإعراب:

{فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ} الفاء استئنافية ولما ظرفية حينية أو رابطة متضمنة معنى الشرط وجملة قضينا مضاف إليها الظرف على الوجه الأول ونا فاعل وعليه متعلقان بقضينا والموت مفعول به وما نافية ودلهم فعل ماض ومفعول به وعلى موته متعلقان بدلهم وإلا أداة حصر ودابة الأرض فاعل دلهم والجملة لا محل لها لأنها جواب لما على الوجهين ودابة الأرض هي الدويبة التي يقال لها السرقة فأضيفت إليه يقال أرضت الخشبة أرضا إذا أكلتها الأرضة وجملة تأكل منسأته حال من دابة الأرض.
{فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ} الفاء عاطفة ولما تقدم القول فيها قريبا وخرّ فعل ماض وفاعله مستتر تقديره هو يعود على سليمان وجملة تبينت الجن جواب لما لا محل لها وأن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن ولو شرطية وجملة كانوا خبر أن وأن وما في حيزها بدل اشتمال من الجن على حد قولك تبين زيد جهله، وقدره أبو البقاء بدلا من محذوف أي تبين أمر الجن وهو أنهم لو كانوا يعلمون الغيب، وأجاز أيضا أن يكون موضع أن وصلتها النصب أي تبينت الجن جهلها ولا مانع من هذين التقديرين، وجملة يعلمون الغيب خبر كانوا وجملة ما لبثوا لا محل لها لأنها جواب لو وفي العذاب متعلقان بلبثوا والمهين صفة للعذاب.

.الفوائد:

أفاض المفسرون في الحديث عن قصة وفاة سليمان مما يخرج بنا عن نطاق كتابنا ولكننا نورد بعضا مما قيل في دابة الأرض لعلاقته باللغة، ويتلخص مما أوردوه أن فيها وجهين: أظهرهما ما قدمناه في باب البلاغة من أنها الدويبة التي تأكل الخشب وفي القاموس والتاج:
والدابة ما دبّ من الحيوان وغلب على ما يركب ويقع على المذكر، ودابة الأرض من أشراط الساعة أو أولها تخرج بمكة من جبل الصفا ينصدع لها والناس سائرون إلى منى أو من الطائف أو بثلاثة أمكنة ثلاث مرات معها عصا موسى وخاتم سليمان عليهما السلام تضرب المؤمن بالعصا وتطبع وجه الكافر بالخاتم فينتقش فيه هذا كافر والثاني أن الأرض مصدر قولك أرضت الدابة الخشبة تأرضها أرضا بفتح عين المصدر وقد قرأ بها ابن عباس والعباس ابن الفضل وقد تقدم البحث في حركة عين فعل الثلاثي فجدد به عهدا.

.[سورة سبأ: الآيات 15- 19]:

{لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشيء مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلاَّ الْكَفُورَ (17) وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ (18) فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (19)}.

.اللغة:

{الْعَرِمِ} لم نجد كلمة اختلف فيها المفسرون كهذه الكلمة ولذلك، سنورد ما نختاره من أقوال ثم نعمد إلى الترجيح بينها ونبدأ بما ذكره صاحب القاموس قال في مادة عرام: عرام الجيش حدتهم وشدتهم وكثرتهم ومن العظم والشجر العراق وما سقط من قشر العوسج ومن الرجل الشراسة والأذى، عرم كنصر وضرب وكرم وعلم عرامة وعراما بالضم فهو عارم وعرم اشتد والصبي علينا أشر ومرح أو بطر أو فسد ويوم عارم نهاية في البرد وعرم العظم نزع ما عليه من لحم كتعرّمه والصبي أمه رضعها والإبل الشجر نالت منه وفلانا أصابه بعرام وعرم العظم كفرح فتر والعرم محركة والعرمة بالضم سواد مختلط ببياض في أي شيء كان أو هو تنقيط بهما من غير أن تتسع كل نقطة وبياض بمرمة الشاة وهو أعرم وهي عرماء وبيض القطا عرم والعرماء الحية الرّقشاء والأعرم المتلون والأبرش والقطيع من ضأن ومعزى والأقلف والجمع عرمان وجمع الجمع عرامين والعرمة محركة رائحة الطبيخ والكدس المدوس لم يذرّ ومجتمع الرمل وأرض صلبة تتاخم الدّهناء ويقابلها عارض اليمامة وكفرحه سد يعترض به الوادي والجمع عرم أو هو جمع بلا واحد أو هو الأحباس تبنى في الأودية والجرذ الذكر والمطر الشديد وواد وبكل فسر قوله تعالى: {سيل العرم} واختار الجلال أن يكون العرم جمع عرمة وهو ما يمسك الماء من بناء وغيره إلى وقت حاجته وهذا ما نعبر عنه اليوم بالسدود وهو أولى ما تفسر به الآية وقد يحدث تصدع السدود وانهيارها بأسباب مختلفة.
{ذَواتا} مثنى ذوات أو ذات ولفظ ذوات مفرد لأن أصله ذوية فالواو عين الكلمة والياء لامها لأنه مؤنث ذو وذو أصله ذوى فلما تحركت الياء وانفتح ما قبلها قلبت ألفا فصار ذوات ثم حذفت الواو تخفيفا فعندما يراد تثنيته يجوز أن ينظر للفظه فيقال ذاتان ويجوز أن ينظر إلى أصله فيقال ذواتان.
هذا وذات مؤنث ذو ومثناها ذواتان والجمع ذوات ويعرب المؤنث والمثنى والجمع إعراب نظيره من الأسماء المفردة والمثناة والمجموعة، يقال لقيته ذات يوم أو ذات ليلة أو ذات مرة أي يوما ما ومرة ما، وكان ذلك ذات العويم أي السنة الماضية وجلس ذات اليمين أي عن اليمين ولقيته أول ذات يدين أي بادىء بدء وذات الصدر الفكر أو السر وذات اليمين أي جهتها وذات البين: الحال يقال أصلحوا ذات بينكم أي حالكم التي تجتمعون عليها وذات شفة كلمة يقال: كلمته فماردّ عليّ ذات شفة وذات اليد ما تملكه يقال: قلّت ذات يده أي ما ملكت يده ويقال ألقت الدجاجة ذات بطنها أي باضت أو سلحت وذات الجنب عند الأطباء: التهاب يحدث في غلاف الرئة فيحدث منه سعال وحمى ونخس في الجنب وذات الرئة وذات الصدر وذات الكبد علل فيها، والذات أيضا: ما يصلح لأن يعلم ويخبر عنه وذات الشيء: نفسه وعينه وجوهره واسم الذات عند النحاة ما علق على ذات كالرجل والأسد ويقابله اسم المعنى كالعلم والشجاعة، والذوات عند المولدين:
أكابر القوم.
{أُكُلٍ خَمْطٍ} الأكل بضمتين وبضم فسكون الثمر أو ما يؤكل والخمط المر والحامض يقال خمر خمطة: حامضة ولبن خامض:
قارص متغير وفي المختار: الخمط ضرب من الأراك له حمل يؤكل وعن أبي عبيدة: كل شجر ذي شوك وقال الزجاج: كل نبت أخذ طعما من مرارة حتى لا يمكن أكله.
{أَثْلٍ} الأثلة: السمرة وقيل شجر من العضاه طويلة مستقيمة الخشبة تعمل منها القصاع والأقداح فوقعت مجازا في قولهم:
نحت أثلته إذا تنقّصه ** وفلان لا تنحت أثلته

قال الأعشى:
ألست منتهيا عن نحت أثلتنا ** ولست ضائرها ما أطّت الإبل

ولفلان أثلة مال أي أصل مال ثم قالوا أثّلت مالا وتأثلته وشرف مؤثّل وأثيل.
{سِدْرٍ} السدر: شجر النبق يطيب أكله ولذا يغرس في البساتين وقيل إن السدر صنفان صنف يؤكل ثمره وينتفع بورقه في غسل الأيدي وصنف له ثمرة غضة لا تؤكل أصلا وهو الضال.

.الإعراب:

{لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ} اللام جواب للقسم المحذوف وقد حرف تحقيق وكان فعل ماض ناقص ولسبأ خبرها المقدم وفي مسكنهم حال من سبأ أي حال كونهم في مسكنهم وآية اسم كان المؤخر وقد تقدم القول مفصلا في سبأ في سورة النمل فجدد به عهدا.
{جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ} جنتان بدل من آية أو خبر لمبتدأ محذوف تقديره الآية جنتان وعن يمين وشمال صفة لجنتان ويبدو أن في بمعنى عند فإن المساكن محفوفة بالجنتين لا مظروفة لهما.
{كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} الجملة مقول قول محذوف أي وقيل لهم بلسان الحال أو بلسان المقال وكلوا فعل أمر وفاعل والمراد بهذا الأمر الإباحة ومن رزق ربكم متعلقان بكلوا وبلدة خبر لمبتدأ محذوف يعني هذه البلدة بلدة طيبة وطيبة صفة ورب غفور عطف على ما تقدم أي وربكم الذي رزقكم وطلب شكركم رب غفور.
{فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ} الفاء عاطفة وأعرضوا فعل ماض وفاعل ومتعلقه محذوف أي عن شكره فأرسلنا عطف على فأعرضوا وعليهم متعلقان بأرسلنا وسيل العرم مفعول به.
{وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشيء مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ} وبدلناهم الواو عاطفة وبدلناهم فعل ماض وفاعل ومفعول به وبجنتهم متعلقان ببدلناهم وجنتين مفعول به ثان وذواتى صفة وأكل مضاف إليه وخمط صفة كأنه قيل أكل بشع وقرىء بالإضافة وعبارة أبي البقاء: {أكل خمط} يقرأ بالتنوين والتقدير أكل أكل خمط فحذف المضاف لأن الخمط شجر والأكل ثمره وقيل التقدير أكل ذي خمط وقيل هو بدل منه وجعل خمط أكلا لمجاورته إياه وكونه سببا له ويقرأ بالإضافة وهو ظاهر وأثل عطف على أكل وشيء عطف أيضا ومن سدر صفة لشيء وقليل صفة ثانية.
{ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ} ذلك مفعول ثان لجزيناهم مقدم عليه لأنه ينصب مفعولين أي جزيناهم ذلك التبديل وجزيناهم فعل ماض وفاعل ومفعول به أول وبما متعلقان بجزيناهم والباء للسببية وما مصدرية أي بسبب صبرهم وهل حرف استفهام بمنى النفي ونجازي فعل مضارع وفاعله مستتر تقديره نحن وإلا أداة حصر والكفور مفعول به.
{وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً} الواو عاطفة وجعلنا فعل وفاعل وبينهم الظرف متعلق بمحذوف مفعول به ثان لجعلنا وبين القرى عطف على بينهم والتي صفة للقرى وجملة باركنا فيها صلة للموصول وقرى مفعول به أول وظاهرة نعت والجملة معطوفة على ما قبلها عطف قصة على قصة فقد ذكر أولا ما أسبغ عليهم من نعمة الجنتين ثم تبديلهما بما سلف ذكره ثم جعل بلادهم متفاصلة متشتتة بعد أن كانت متواصلة ملمومة الشمل.
{وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ} وقدرنا الواو عاطفة وقدرنا فعل ماض وفاعل وفيها متعلقان بقدرنا أو بالسير والسير مفعول به وجملة سيروا في محل نصب مقول قول محذوف وفيها متعلقان بسيروا وليالي وأياما ظرفان متعلقان بسيروا أيضا وآمنين حال ولم يتوجه معنا إعراب القرطبي لليالي وأياما فقد قال أنهما منصوبان على الحال وسيأتي سر تنكيرهما في باب البلاغة.
{فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ} الفاء عاطفة وقالوا فعل وفاعل وربنا منادى مضاف محذوف منه حرف النداء وباعد فعل أمر وبين ظرف متعلق بباعد وأسفارنا مضاف إليه وظلموا عطف على فقالوا وأنفسهم مفعول وذلك لأنهم بطروا وبشموا من طيب العيش وبلهنة الحال فطلبوا الكد والتعب والتنقل في البلاد، فجعلناهم عطف على ظلموا أنفسهم وأحاديث مفعول به ثان لجعلناهم.
{وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} ومزقناهم عطف أيضا وكل ممزق نائب مفعول مطلق أي فرقناهم تفريقا لا التئام بعده. قال الشعبي فلحقت الأنصار بيثرب وغسان بالشام والأزد بعمان وخزاعة بتهامة فكانت العرب تضرب بهم المثل فتقول تفرقوا أيادي سبأ وقد تقدم معنى هذا المثل وإعرابه في النمل فجدد به عهدا. وإن حرف مشبه بالفعل وفي ذلك خبرها المقدم واللام المزحلقة وآيات اسمها المؤخر ولكل صبار صفة لآيات وشكور صفة لصبار.

.البلاغة:

1- المشاكلة:
في قوله {جنتين} فن المشاكلة وقد تقدم أنه ذكر الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته فقد سمى البدل جنتين للمشاكلة وفيه نوع من التهكم بهم، قال أبو تمام:
والدهر ألأم من شرقت بلؤمه ** إلا إذا أشرقته بكريم

أي اقتصرت عليه بكريم فقال أشرقته مشاكلة.
2- التنكير:
وفي تنكير ليالي وأياما إلماع إلى قصر أسفارهم فقد كانت قصيرة لأنهم يرتعون في بحبوحة من العيش ورغد منه لا يحتاجون إلى مواصلة الكد وتجشم عناء الأسفار للحصول على ما يرفه عيشهم.
3- التذييل:
وفي قوله: {ذلك جزيناهم} الآية فن التذييل وقد تقدم بحثه أيضا وهو قسمان الأول ما جرى مجرى المثل وقد تقدم بحثه أيضا، والثاني ما لم يخرج مخرج المثل وهو أن تكون الجملة الثانية متوفقة على الأولى في إفادة المراد أي وهل يجازى ذلك الجزاء المخصوص، ومضمون الجملة الأولى أن آل سبأ جزاهم اللّه تعالى بكفرهم ومضمون الثانية أن ذلك العقاب المخصوص لا يقع إلا للكفور وفرق بين قولنا جزيته بسبب كذا وبين قولنا ولا يجزى ذلك الجزاء إلا من كان بذلك السبب ولتغايرهما يصح أن يجعل الثاني علة للأول ولكن اختلاف مفهومهما لا ينافي تأكيد أحدهما بالآخر للزوم معنى.